(86) الحداثة: مخرج اليهود إلى ما يسمى بالإسلام المعتدل
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
"الحداثة"، وما يُسمَّى بـ "الإسلام المتطرِّف"، وما يرتبط به من مصطلحات، مثل "الإسلاموية"، و"الإسلامويون"، وما يُسمَّى بـ "الإسلام المعتدل"، كلها مجموعة مفاهيم تفرض نفسها عند التعرُّض لعلاقة الإسلام بالغرب بصفة عامة، وباليهود بصفة خاصة، وهى تحتاج إلى بعضٍ من الإيضاح.

ظهر مفهوم الحداثة لأول مرة في عام 1945 مرتبطًا بفن العمارة؛ حيث كانت تعني الخروج على كلِّ ما هو نمطي ومألوف برؤية ثورية تعيد صياغة العمارة؛ باعتبارها نشاطًا فنيًّا وإنسانيًّا يتمتع بحرية تامة، ولا تحدُّه قيودٌ، فأن تبنى بيتًا - على سبيل المثال - تتقيد فيه بمبدأ انفصال الرجال عن النساء مثلاً، هذا أمر تقليدي، يختلف عن بنائك للبيت نفسه وأنت حرٌّ من هذا القيد، فهنا تكمُن الحداثة.

امتد هذا المفهوم كغيره من المفاهيم إلى ميادين الحياة الأخرى، فأعيد تعريفه ليعني: وجهة نظر خاصة تدور حول إمكانات الحياة الاجتماعية البشرية، تجد جذورها في التنوير، وتتأسَّس على الإيمان بالتفكير العقلاني، ومن ثَمَّ تنظر إلى الحقيقة والجمال والأخلاق كحقائق موضوعية، يمكن اكتشافها ومعرفتها وفَهمها من خلال التفكير العقلاني، والوسائل العلمية، وليس عن طريق الدِّين.

المجالات الثقافية المختلفة من المنظور الحداثي تتمايز، ويستقل بعضها عن بعض استقلالاً تامًّا؛ بحيث ينفصل كلُّ مجالٍ عن غيره، ويضع لنفسه معاييره حسب طبيعته ذاتها، وليس من أيِّ شيءٍ خارجها؛ بحيث يكون هناك تمايز واضح بين الثقافة العلمانية، والثقافة الدينية، وهذا يعني أنه لا ارتباط بين الدِّين من ناحية، والتعليم أو الفن، أو السياسة، أو الاقتصاد من ناحية أخرى، فلا يستطيع الدين أن يفرض معاييرَه على الفن أو السياسة أو الاقتصاد؛ ففي مجال الفن: يلزمك ألا تحكم على انتفاء الحياء في أدب "نجيب محفوظ" - على سبيل المثال - من زاوية الدين، بل على أساس أنه إبداع فنيٌّ يرسم صورة الحياة في عصر معيَّن، أما في مجال السياسة، فلا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، وفي مجال الاقتصاد: لا تحكم على التعامل...